سورة البقرة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24)} [البقرة: 2/ 23- 24].
فائدة ضرب الأمثال للناس:
يحرص القرآن الكريم على توضيح المعاني الدينية وأصول الإيمان بإيراد الأمثال والتشبيهات بالأمور المادية المحسوسة، لترسيخ المعاني في الأذهان، فإن كان المضروب له المثل عظيما كالحق والإسلام ضرب مثله بالنور والضياء، وإن كان ضعيفا حقيرا كالأصنام، ضرب مثله بما يشبهه كالذباب والبعوض والعنكبوت، فيكون المثل لكشف المعنى وتوضيحه بما هو معروف مشاهد لا سبيل إلى إنكاره.
فأما المؤمنون الذين في قلوبهم نور، فيهديهم اللّه إلى التصديق بأن هذا كلام اللّه، ويكون جزاؤهم جنان الخلد، والاستمتاع بنعيمها، ففيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها أنهار جارية تحت الأشجار، وفيها الثمار اليانعة الشهية مما لم يروه في الدنيا أبدا، وإن كان متشابها ليأنسوا به ويأكلوه، وفي الجنة حور عين، مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جانّ، مطهرات من كل دنس ورجس كالحيض والنفاس وشرور النفس والهوى، قال اللّه تعالى:


{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)} [البقرة: 2/ 25].
وأما موقف الكفار الجاحدين من أمثال القرآن، فهم في حيرة من أمرهم، فيتعجبون ويقولون: ماذا يريد اللّه بهذا المثل؟ ككل متخبّط لا يدري ماذا يفعل. قال ابن عباس: لما ضرب اللّه سبحانه هذين المثلين للمنافقين، في قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً} [البقرة: 2/ 17] وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ} قالوا: اللّه أجل وأعلى من أن يضرب الأمثال، فأنزل اللّه هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} وقال الحسن وقتادة: لما ذكر اللّه الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين المثل، ضحكت اليهود، وقالوا: ما يشبه هذا كلام اللّه، فأنزل اللّه هذه الآية:


{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)} [البقرة: 2/ 26- 27].
فالتمثيل بالبعوضة ونحوها ضلّ به كثير من الناس، واهتدى به كثير من الناس، ولا يضلّ به إلا الخارجون عن طاعة اللّه، الذين ينقضون ما عاهدوا اللّه عليه من الإيمان بمحمد والتصديق به، وهمّ هؤلاء الضّالّين الإفساد بين الناس، وإثارة الفتن والشكوك، وقلب الحقائق، وتصديع جبهة الأمة الداخلية، والتآمر مع الأعداء، إذ لا مبدأ عندهم يردعهم عن موالاة الأعداء، فخسروا الدنيا بافتضاحهم والآخرة بغضب اللّه عليهم، وذلك هو الخسران المبين.
بعض مظاهر قدرة الله:
يناقش القرآن الكريم أولئك الكفار الذين أنكروا ربوبية الله تعالى مرة بعد مرة، لأن موقفهم وحالهم مدعاة للعجب والاستغراب، والله تعالى يريد أن يرشدهم إلى سواء الصراط، ويدلهم على طريق النجاة، وطريق الإقناع بسيط مادي محسوس، مأخوذ من الواقع القريب المشاهد، ومن التأمل في وضع الإنسان ومراحل تغيره وانتقاله من عالم إلى عالم آخر.
فلو فكر الإنسان في نفسه وبمقتضى فطرته الصحيحة السوية، لعرف أن سبب وجوده في هذا العالم هو قدرة الله، وأن الله أنعم علينا بنعمة الوجود، ووهب لنا عقلا، وكرّمنا فجعل حدّا لآجالنا، وتركنا أحرارا في هذه الحياة لنعمل بقناعة ووعي بما يرضي الله، ويحقق الخير لأنفسنا وأمتنا، ثم نرجع إلى الله ليجزي كلّا منا على ما قدّمت يداه، ويحاسبنا على النّعمة التي أنعم بها علينا. قال ابن عباس وغيره من المفسرين: كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا، ثم خلقتم وأخرجتم إلى الدنيا، فأحياكم، ثم أماتكم الموت المعهود، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة. فهناك إماتتان، وإحياءان، الإماتة الأولى قبل الوجود في الدنيا، والإماتة الثانية بعد الحياة، والحياة الأولى بعد الولادة، والحياة الثانية بعد البعث يوم القيامة، قال الله تعالى: {قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)} [المؤمن: 40/ 11].
وقال الله سبحانه:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8